أخبار عامةأهم الأخباراقتصاد العرب
حراك 22 مارس الجزائري : الرحيل هو الحل
الجزائر: تحليل خاص بوكالة انباء المال والاعمال
تكتبه : هبة داوودي
اتجهت أنظار العالم أجمع، اليوم، صوب الجزائر، لمتابعة جمعة أخرى من جمعات الحراك الشعبي، الذي استطاع أن يصنع الحدث، وأضحى حديث العام والخاص ليس فقط في الجزائر، وإنما خارجها أيضا، حيث لم تثن غزارة الأمطار المتهاطلة والرياح العاتية والبرد القارس، الجزائريين، من الخروج إلى الشوارع، وأنه لا مجال للتفريق بين أبناء البلد الواحد، من خلال زرع النعرات الجهوية، بل وحتى ما بين المواطن ورجال الأمن، مرددين شعار “خاوة خاوة”، ورفض كل التدخلات الأجنبية في الشأن الداخلي.
بين 22 فبراير المنصرم الذي شهد أول مسيرة سلمية، واليوم، 22 مارس، جمعة أخرى مطالبة ليس فقط بالتغيير بل برحيل السلطة القائمة، ولم يبق على الأخيرة إلا لملمة أوراقها والإنصراف، لتأكيد نيتها المعلنة في الإستجابة لمطالب الشعب، فهل ستحفظ ماء وجهها وتغادر قبل أن تضيق الأبواب عليها أكثر؟
وعاش الشارع الجزائري، اليوم، جمعة خامسة، منادية بوضع حد لتمديد العهدة الرابعة، ومنددة بالاستمرارية غير الشرعية لنظام الحكم القائم، ورافضة للندوة الوطنية الجامعة التي دعا إليه الرئيس المنهية عهدته عبد العزيز بوتفليقة، في ظل الوضع الحرج الذي يتواجد فيه الوزير الأول نور الدين بدوي، الذي عجز عن تشكيل حكومة جديدة.
أربع جمعات متتالية، والخامسة انطلقت صباح، اليوم، عاشت فيها مختلف الولايات الجزائرية حراكا شعبيا منقطع النظير، انطلقت في 22 من شهر فيفري الماضي، كانت الثالثة كفيلة بدفع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى إعلان سحب ترشحه لعهدة خامسة، لكن القرارات التي صاحبت الإعلان أتت عكس ما اشتهاه المتظاهرون.
فلم يترك الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الشعب الجزائري ليفرح ويهنأ بقرار سحب ترشحه لعهدة خامسة، وهو الذي كان يعتقد أنه انتصر في حراكه بشكل كلي، ليصطدم بالواقع المر، المتمثل في قرار تأجيل الانتخابات، وتعيين نور الدين بدوي في منصب الوزير الأول، ورمطان لعمامرة نائبا للوزير الأول ووزيرا للخارجية، ما يعني تمديدا للعهدة الرابعة، التي تنتهي في الأصل يوم 28 أفريل المقبل، ووضع الجزائريين أمام الأمر الواقع، تدوير نفس وجوه النظام الحاكم، المرفوضة شعبيا، في مناصب أخرى، واستمرار حكم الرئيس بوتفليقة دون التوجه إلى صناديق الاقتراع.
وقوبلت قرارات الرئيس، التي تعتبر خرقا للدستور، برفض شعبي، وكانت بمثابة الوقود الذي ألهب النيران التي كانت مشتعلة من قبل، لكن تلك النيران كانت بردا وسلاما على الجزائر، إذ نها نيران غضب على النظام القائم إلا أن ذلك لم يؤدي إلى انفلات أمني، بل استطاع الشعب الجزائري إعطاء دروس في الوطنية للعالم أجمع، بإنصهاره رفقة رجال الأمن في بوثقة واحدة، لتكون المطالبة بالتغيير ورحيل النظام القائم في سلمية تامة.
الجيش مؤسسة عسكرية وليست سياسية
لعل ثالث خطاب لنائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، كان الخطاب الذي توقف عنده الكثيرون، بعد الخطاب الأول الذي أحدث ضجة كبيرة، لاستعمال جملة “المغرر بهم”، فيما يعتبر الخطاب الأخير امتدادا للخطاب الثاني، حيث ركز على بعدين، الأول أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار، وهو مكسب من المكاسب التي يناط للمؤسسة العسكرية ضمان الحفاظ عليهما، أما البعد الثاني فانه يخص تطابق مواقف المؤسسة العسكرية وسقف المطالب الشعبية، ولكن بنوع من النسبية، أي أن سقف المطالب المتمثل في تغيير النظام قد لا يتحقق على المدى المنظور، وهو ما يشير إليه قايد صالح بالقول “كل ذي عقل وحكمة، يدرك بحسه الوطني وببصيرته البعيدة النظر، بأن لكل مشكلة حل، بل حلول، فالمشاكل مهما تعقدت لن تبقى من دون حلول مناسبة، بل وملائمة، هذه الحلول التي نؤمن أشدّ الإيمان بأنها تتطلب التحلي بروح المسؤولية من أجل إيجاد الحلول في أقرب وقت، بإذن الله تعالى وقوته”، بمعنى أن المؤسسة العسكرية مع المطالب الشعبية، ولكنها ترى ضرورة التدرج في تحقيقها، وأنها يمكن أن تكون الضامن لتحديد مخارج متدرجة.
وقد أشاد الفريق قايد صالح في كلمته، بوعي الشعب وإدراكه “لقدسية الوطن وأمنه واستقراره”، في إشارة إلى تواصل الحراك الشعبي السلمي، مجدّدا تعهدّه أمام الله بأن الجيش الوطني الشعبي “سيكون دوما، وفقا لمهامه، الحصن الحصين للشعب والوطن في جميع الظروف والأحوال”، وهي إشارة تأكيد بانحياز المؤسسة لصف الشعب في مطالبه للتغيير.
وتتعدد رسائل الإطراء التي أتت في آخر خطاب لقايد صالح تجاه الشعب، في إشارة إلى تصحيح الرسالة الأولى التي تضمنت نبرة تهديد، وتجلى تحول الخطاب بتكرار التأكيد على تواصل الجيش والشعب، مقابل أيضا التشديد على ضرورة تغليب المصلحة الوطنية، وبرز ذلك في تنويه قايد صالح بأن الشعب يملك الامكانيات لجعل بلده يتفادى أي وضع صعب، مؤكدا في معرض كلامه على العلاقة الوطيدة بين الجيش الوطني وشعبه، حيث قال “لطالما ركّزت في مداخلاتي على العلاقة الوطيدة التي تربط الشعب الجزائري بجيشه، الذي هو جزء لا يتجزأ منه، ومن هذا المنطلق بالذات، فإن ثقتي في حكمة هذا الشعب، وفي قدرته على تجاوز كافة الصعاب مهما كانت طبيعتها، غير محدودة بل ومطلقة”.
“الأفلان” و”الأرندي” يناقضان نفسيهما
أحدث تغير الموقف المسجل من قبل أحزاب السلطة، على غرار حزبي جبهة التحرير الوطني “الأفلان” والتجمع الوطني الديمقراطي”الأرندي” ضجة إعلامية كبيرة، بل وضجة وسط الشعب الذي طالب برحيل كل من أحمد أويحيى ومعاذ بوشارب، خاصة وأنهما كانا وإلى وقت غير بعيد ضد حراك الشعب، وعملا على استفزاز الجزائريين بشتى الطرق من خلال تصريحاتهما، وتمجيد الرئيس بوتفليقة، إلى درجة أن وصف من قبل المنسق العام لقيادة حزب جبهة التحرير الوطني معاذ بوشارب بالمرسول من عند الله.
حيث أثار تغيّر مواقف أحزاب السلطة، من الدفاع عن العهدة الخامسة إلى مساندة ودعم المسيرات الشعبية المناهضة للنظام القائم، حفيظة الجزائريين، الذين طالبوا بإدخال “الأفلان” إلى المتحف”، خاصة وأن الأخير حاد عن رسالته ومبادئه، ولم يقف إلى جانب الشعب، بل وتخلى عنه منذ فترة طويلة، والتأكيد على ضرورة رحيل أحمد أويحيى من رأس الحزب، وهو الذي لطالما عرف ولقب بـ “رجل المهام القذرة”.
وأظهر الجزائريون وعيا كبيرا بما يحدث من حولهم، ليقفوا في وجه أحزاب المولاة التي حادت عن خط “التطبيل” ومالت إلى كفة الشعب، منذ أيام قليلة، في تغيير غريب للون والجلد، دون أي حياء، لتنطبق عليهم مقولة “إن لم تستحي فافعل ما شئت”.
السيناريوهات المطروحة على الطاولة
من الواضح أن الخيارات المتاحة تضيق بالنسبة للسلطة السياسية، التي لجأت إلى ترتيبات متدرجة لامتصاص الحراك الشعبي المطلبي.
بداية هناك مسار تعتمده السلطة كسبا للوقت، وهي اعتماد خارطة الطريق التي اقرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 11 مارس 2019، والذي تنتهي عهدته في 28 ابريل المقبل، ويتمثل المسار في احتواء وامتصاص الحراك الشعبي وإبقائه في دائرة المطالب السلمية، والتعامل وكأن السلطة الفعلية لا تخضع لضغط الشارع، وإن قدمت تنازلات متدرجة، ويتمثل السيناريو في تشكيل حكومة توافقية جديدة وإعلان الرئيس عن إجراءات جديدة مع تحديد تاريخ الندوة الوطنية الجامعة، التي تحولت إلى ندوة حوار وطني جامع، هذا السيناريو سيصدم برد فعل رافض للشارع الذي يطالب برحيل رموز النظام ككل.
السيناريو الثاني يكمن في إعلان خلال أيام، الرئيس بوتفليقة إنهاء مساره السياسي مع انتهاء عهدته أي في حدود 27 أو 28 أبريل على أقصى تقدير، وهذا السيناريو سينتج عنه فراغ دستوري، تنبني عليه قرارات سياسية في غياب إطار دستوري، يتمحور حول إنشاء هيئة رئاسية و حكومة انتقالية، وهذا السيناريو بحاجة الى إطار خاص ومحدد وضامن، قد يكون المؤسسة العسكرية.
السيناريو الثالث يتمثل في تمييع الحراك الشعبي واحتوائه أو استقطابه، ومساعي لتوظيف التنفيس الشعبي في الشارع وعامل الزمن لافتكاك بدائل، تضمن انقاذ النظام السياسي مع التضحية برموز وواجهة النظام السياسي بما في ذلك الرئيس المنتهية عهدته دون التخلي فعليا عن النظام السياسي والدولة العميقة التي ستقوم باعادة تشكيل نفسها، والتكيف مع الوضع مقابل تنازلات جوهرية للمطالب الشعبية والسيناريو قد يتضمن تدخلا بطريقة ما للمؤسسة العسكرية.