معلومات اقتصادية

عقود الامتيازات النفطية ….بين حقوق الشركة صاحبة الامتياز والدولة المضيفة

عقود الإمتيازات النفطية -Petroleum Concessions Contracts
——————————————————————–
بقلم د/ فياض حمزه رملي

1-أهمية دراسة عقود الإمتيازات النفطية –
The Importance of the Study of the Petroleum Concessions Contracts
يتسم مجال الصناعة النفطية بإرتفاع درجة المخاطرة والحاجة إلى رؤوس أموال ضخمة للإستثمار في مجاله، ونظراً لأهمية هذين العاملين على المستوى الإقتصادي للدولة، بالإضافة إلى أهمية النفط كمصدر رئيسي للطاقة في العالم ومورداً أساسياً في موازنة الدولة المضيفة (الدولة مالكة أرض النفط)، وكذلك إعتبارات تصنيفه ضمن الموارد الطبيعية الآيلة للنضوب كانت الصناعة النفطية موضع إهتمام خاص من قبل المشرع القانوني في كافة الدول المنتجة، لتنظيم الإطار القانوني الذي تتم في نطاقه ممارسة أعمال البحث عن النفط وإستخراجه بطريقة تضمن المحافظة عليه كأحد الموارد الطبيعية الهامة في عملية التنمية الإقتصادية للدول المنتجة. كما تهتم الدول المستهلكة للنفط بتأمين مصادر الطاقة التي تحتاجها من مختلف مشتقاته، وفي سبيل المحافظة على تأمين هذه الإحتياجات تسن التشريعات اللازمة لذلك وتصيغ التعاقدات اللازمة لتأمين إحتياجاتها المالية والمستقبلية من النفط ومشتقاته.
الجدير بالذكر هنا أن الإتفاقيات التي تصيغها الدول المستهلكة تكون بينها وبين الدول المنتجة في سبيل تأمين إحتياجاتها الإستهلاكية من النفط ومشتقاته، أما الإتفاقيات التي تصيغها الدول المنتجة فهي تكون بينها وبين الشركات صاحبة الإمتياز في سبيل البحث عن النفط وإستخراجه وهي المعنية من قبل الكاتب بالتقصي والدراسة.
تعتبر التعاقدات القانونية في صناعة النفط بمثابة المنبع الذي تستقي منه إجراءات الرقابة على مختلف أعمال الشركات النفطية الممارسة لنشاطها بالدول المضيفة. ونظراً لأن هذه التعاقدات بإختلاف صيغها وأشكالها القانونية تعد أداة أساسية يتم من خلالها حماية مورد هام من موارد المجتمع وتقنن لحسن إستغلاله بأفضل الطرق، فإن تناولها بالدراسة يعد ذو أهمية خاصة للدول المضيفة والباحثين والمهتمين في مجال الصناعة النفطية.
تنبع أهمية دراسة عقود الإمتيازات النفطية من قدرتها على تحقيق الرقابة في العمل من خلال ما يلي:
‌أ. إن معرفة التعاقدات النفطية والتطور التاريخي لها وصولاً إلى الصيغ المعاصرة منها يعد مرتكزاً أساسياً في توضيح الإجراءات الرقابية المحددة لنصيب الدولة المضيفة من النفط المنتج.
‌ب. تساعد دراسة التعاقدات النفطية في التعرف على المزايا والعيوب المختلفة للصيغ التعاقدية، وبالتالي الإستفادة من ذلك في صياغة أنماط العقود المستقبلية.
‌ج. تساعد دراسة التعاقدات النفطية في توسيع مدارك المهتمين والمسئولين في مجال الصناعة النفطية، مما يلفت إنتباههم إلى العديد من الأمور التي يمكن الإستفادة منها في صياغة التعاقدات المستقبلية التي تعتمد بشكل أساسي على عملية التفاوض قبل الصياغة القانونية للعقد.
1 – 2 – 2 تعريف العقود النفطية – Definition of The Petroleum Contracts:
يعرف القانونيون والإقتصاديون التعاقدات النفطية على أنها: إتفاقيات للتنمية الإقتصادية الدولية في مجال النفط. وتكفل هذه الإتفاقيات حقوقاً لطرفي التعاقد كما يلي:

أ. حقوق الشركة صاحبة الإمتياز*:
حيث تنص التعاقدات النفطية في جوهرها على نقاط تضمن للشركة صاحبة الإمتياز حقوقاً أقرب إلى حقوق الملكية، ومن هذه الحقوق ما يلي:
– حق الحيازة لمساحة محددة من الأرض.
– حق البحث والإستكشاف والإنتاج داخل منطقة الإمتياز.
– حق تملك جزء من النفط وتصديره دون دفع رسوم جمركية.
– حق الحرية الكاملة في إختيار وسائل النقل.
– حق إستخدام العمالة الأجنبية من الفنين والإداريين.
– حق الضمان وممارسة قدر معقول من السلطة الإدارية.
جدير بالذكر أن كثير من الدول المضيفة تشترط إستخدام جزء من كوادرها الوطنية للعمل في الشركة صاحبة الإمتياز بدافع التأهيل والسيطرة الرقابية. وغالباً ما تتدخل الدول التي تنتمي إليها الشركة الأجنبية صاحبة الإمتياز لحمايتها من الأضرار التي قد تلحق بها، كما تتفاوت حقوق الشركة صاحبة الإمتياز من عقد إلى آخر بحسب نوعية وطبيعة العقد المبرم بين الطرفين.

(ب) حقوق الدولة المضيفة:
تشمل حقوق الدولة في الهيمنة على ثرواتها النفطية الطبيعية، وتقاضي فوائد مالية، وتعديل العقد، بالإضافة إلى حصتها في النفط المنتج بحسب العقد المبرم ونوعيته.
1 – 2 – 3 التطور التاريخي لعقود الإمتيازات النفطية –
The Historical Development of Petroleum Concessions Contracts:
تتم عمليات أستكشاف وإنتاج النفط في ظل عقود قانونية تمنح الشركات صاحبة الإمتياز (الشركات الممنوحة حق البحث والتنقيب عن النفط) حق التنقيب في مساحات معينة مقابل مبلغ معين يتفق على منحه للدولة المضيفة كما هو الحال في الصيغ التعاقدية القديمة، أو وفقاً لترتيبات تعاقدية تقوم على تحديد نسبة مئوية لكل من الطرفين كما هو الحال في التعاقدات المعاصرة. وقد يتولى إدارة الأعمال الخاصة بالعقد أحد طرفي التعاقد، أو يتم إنشاء شركة خصيصاً لهذا الغرض يكون هدفها الرئيسي إدارة أعمال العقد وتحديد ما يخص كل شريك من النفقات والإيرادات وفقاً لبنود الإتفاق. وتتمثل الجهة التي تمنح العقد في الدولة مالكة أرض النفط حتى وإن كانت ملكية الأرض المستهدفة تؤول للأفراد.
لقد مرت صيغ التعاقدات القانونية في مجال صناعة النفط بمراحل مختلفة مرتبطة بالتطور السياسي والإقتصادي للدولة المضيفة والإتجاهات العالمية في ضرورة سيطرة الدولة المضيفة على ثرواتها الطبيعية، بالإضافة إلى دور مخرجات (معلومات) النظم المحاسبية السائدة في مجال الصناعة النفطية في تطوير العقود النفطية وتحسين العائدات الحكومية.
تجدر الإشارة إلى أن عقود الإمتياز القديمة أتسمت بأنها مجحفة، أي في غير صالح الدول المنتجة وخاصة الدول العربية، حيث كان نصيب الدولة المضيفة من الربح يتراوح فقط ما بين 10 – 30 سنتاً لبرميل النفط في فترة عقود الإمتيازات القديمة. ويعتبر الوعي والتغيرات السياسية والإجتماعية في حقبة السبعينيات عاملاً أساسياً في وضع حد لعقود الإمتيازات المجحفة، حيث تطورت لاحقاً صيغ التعاقدات النفطية إلى حق مشاركة الدولة المضيفة في الأرباح، ثم المشاركة في الإنتاج والإدارة، وأخيراً حق الدولة في تملك ثرواتها النفطية بالنسبة التي ترى أنها محققة لسيطرتها الإقتصادية على مواردها الطبيعية. وأهم التوجهات الجديدة في تنظيم العلاقة بين الدولة المضيفة والشركة صاحبة الإمتياز تتمثل في:
‌أ- إما إقامة شركة وطنية تمثل مصالح الدولة ومصالح الشركة الأجنبية كما ذكر آنفاً وهذا في حالة توافر إمكانيات مادية كبيرة للدولة المضيفة.
‌ب- أو اللجوء إلى عقود المشاركة وهو الإتجاه الأكثر إنتشاراً في الوقت المعاصر، وتتمثل هذه العقود في عقود شراكة، أو عقود إقتسام الإنتاج، أو عقود خدمات وهو الأمر الذي يستهدفه الكاتب بالتحليل والدراسة لتوضيح أحكام وطبيعة التعاقدات الخاصة بالصناعة النفطية وذلك على النحو التالي:

أولاً: عقود الإمتيازات النفطية السابقة لإنتشار عقود المشاركة في الإنتاج:
1. عقود الإمتيازات الممنوحة قبل عام 1950م:
هي عقود الإمتيازات النفطية الأولى التي سادت قبل فترة الحرب العالمية الثانية في بعض دول الشرق الأوسط مثل: العراق، إيران، السعودية، الكويت، قطر، أندونيسيا. وأستطاعت الشركات العالمية التي حصلت على هذه العقود إبان تلك الفترة تحقيق مزايا اقتصادية كبيرة نظراً للخصائص الإيجابية لصالحها في مضمون تلك العقود والمتمثلة في الآتي:
‌أ. تمنح هذه العقود لشركات الإمتياز حق البحث عن النفط وإنتاجه في مساحات جغرافية كبيرة ولفترة طويلة تصل إلى 90 عاماً، وذلك دون إلتزام من قبل هذه الشركات بالتنازل الكلي أو الجزئي عن مساحة العقد المحددة خلال فترة التعاقد، مما يعنى السيطرة المطلقة لشركات الإمتياز على الصناعة النفطية بالدول المضيفة.
‌ب. عدم إلتزام الشركات بتكرير النفط محلياً أو إستثمار جانب من أرباحها في الدول المضيفة، بالإضافة إلى عدم خضوعها للقضاء المحلي في أغلب الأمور المتعلقة بممارسة نشاطها.
‌ج. تقوم شركات الإمتياز في حالة إكتشاف النفط وإنتاجه بتسويقه لحسابها، بالإضافة إلى تحديد الأسعار دون تدخل من الدول المضيفة.
‌د. جمود معدل الضريبة وجعله عنصراً تعاقدياً بحيث لا يملك المشرع بالدولة المضيفة تعديله دون موافقة الشركة صاحبة الإمتياز.
‌ه. تدفع الشركات مبالغ معينة للدولة المضيفة في مقابل الحصول على عقد الإمتياز، كما تتعهد الشركات بموجب هذه العقود بدفع أتاوه محددة بمبلغ نقدي معين عن كل برميل أو طن ينتج من النفط الخام، وذلك دون مشاركة من قبل الدول المضيفة في الأرباح الناتجة عن بيع النفط، ولذلك لم يكن للدولة، علاقة مباشرة أو غير مباشرة على الإطلاق بالأساليب المحاسبية المتبعة في تقييم أرباح هذه الشركات.
الجدير بالذكر أن أول عقد عربي تم إبرامه مع الشركات الأجنبية كان بين الحكومة المصرية وشركة آبار الزيوت الإنجليزية في عام 1912م، ثم أعقبه إبرام عقد ما بين حكومة العراق وشركة البترول التركية في عام 1925م. وفي الشرق الأوسط كانت إيران الأولى حيث وقعت أول عقد إمتياز في عام 1901م.
2. عقود الإمتيازات السائدة خلال فترة الخمسينيات:
هي عقود أفضل من العقود السابقة نظراً لوضوح بنودها وحصول الدول المضيفة على بعض المزايا، وقد عرف هذا النوع من العقود بإسم عقود مناصفة الربح، وقد بدأت بالعقد الذي أبرمته شركة أرامكو في السعودية عام 1950م، ثم انتشرت بعد ذلك في أرجاء منطقة الشرق الأوسط. وفيما يلي أهم الخصائص المميزة لهذا العقود:
‌أ- تلتزم الشركات بموجب هذه العقود بدفع أتاوة مقدارها 12.5% من الإنتاج للدولة المضيفة مع حق الاختيار في أخذ قيمة هذه الأتاوه عيناً أي نفط خام أو نقداً. وتقدر قيمة هذه الأتاوه وفقاً للسعر المعلن، وتمثل هذه القيمة الحد الأدنى لما يمكن أن تحصل عليه الدولة من عائدات النفط المنتج من أراضيها، سواء أن حققت الشركة ربحاً من بيع النفط أو لم تحقق.
‌ب- في حالة تحقيق الشركة لأرباح من بيع النفط تلتزم بدفع ضريبة مقدارها 50% من صافي الدخل المحقق، ويدخل في هذه النسبة قيمة الأتاوه، أي يشترط في ذلك أن لا تزيد قيمة ما تدفعه الشركة من أتاوه وضرائب عن 50% من صافي الأرباح. ولذلك فإن الأتاوه المدفوعة عن الإنتاج تعتبر مدفوعات مقدمة من الضريبة المفروضة على الشركة.
‌ج- يتم حسبة أرباح الشركة وفقاً لمعدل أساس الأسعار المعلنة للنفط بعد خصم مسموحات معينة من هذه الأسعار، بالإضافة إلى إستقطاع التكاليف التي تنص عقود الإمتياز على طريقة تحديدها. وقد كانت هذه الأسعار المعلنة في الفترات السابقة (عقود الإمتياز الأولى قبل عام 1950م) تحدد من قبل شركات الإمتياز وتخضع لخصومات كبيرة كانت تمنحها هذه الشركات لعملائها.
3. عقود الإمتيازات السائدة خلال فترة الستينيات:
بدأت مرحلة هذه العقود بعد إنشاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبيك – OPEC) وذلك في أوائل الستينيات، حيث توصلت هذه المنظمة إلى صيغ تعاقدات جديدة مع الشركات العالمية فيما يخص عقود الإمتياز لدولها الأعضاء، وقد بدأ تطبيق أول هذه الصيغ التعاقدية الجديدة في ليبيا عام 1965م. ومن أهم الخصائص المميزة لهذه العقود ما يلي:
‌أ. تلتزم شركات الإمتياز بموجب هذه العقود بدفع الأتاوه المشار إليها سابقاً، على أن لا تعتبر هذه الأتاوه دفعة مقدمة من نصيب الدولة في الأرباح، بل أنها تعتبر نفقة تضاف إلى التكاليف عند تحديد الأرباح، لذلك أطلق على هذا الإجراء مسمي (تنفيق الأتاوه).
‌ب. تلتزم الشركات بدفع ضريبة على صافي دخلها مقدارها 50%، ويتم حساب صافي الدخل الخاضع لهذه الضريبة على أساس الأسعار المعلنة بعد خصم مسموحات محددة بالإضافة إلى خصم تكاليف الأتاوه.
‌ج. تلتزم الشركات بدفع مسموحات التسويق، بمقدار 0.5 سنت أمريكي للبرميل، كما يتم السماح للشركات في مقابل قبولها بمبدأ تنفيق الأتاوه أن تخصم من السعر المعلن ما يسمي (بمسوحات تنفيق الأتاوه)، وهو عبارة عن مبلغ يتناقص تدريجياً في كل عام وفق نظام معد لذلك.
ثانياً: عقود المشاركة (إقتسام) في الإنتاج:
يتم حالياً إتباع عقود المشاركة في الإنتاج Production Sharing Contracts بصورة واسعة في جميع أنحاء العالم، ويعد هذا النوع من العقود من أكثر العقود التي تفضلها الدول المضيفة. إن مفردات هذا النوع من العقود مختلفة وفق الوقتيه مما يصعب تقديم نموذج واحد منها، لذا سيتم التعرض لجوانب تطورها التاريخي وما تحويه من مضامين من خلال تجربة دولة أندونيسيا ودولة مصر بإعتبارهما من أول الدول التي أبرمت إتفاقيات من هذا النوع، وذلك حتى يتم التعرف على السمات العامة لهذه العقود وذلك على النحو التالي:
1. عقود المشاركة في الإنتاج في أندونيسيا:
تعد أندونيسيا الدولة الرائدة في إتباع هذه الصيغة التعاقدية، فقد تم إبرام أول عقد لإقتسام الإنتاج في 1/ 9/ 1961م بين شركتها الوطنية Permina وشركة Asamera، ثم أبرم العقد الثاني في 10/ 3/ 1964م بين شركتها الوطنية وشركة Refican، ثم توالي بعد ذلك منح هذا النوع من العقود في أندونيسيا حتى بلغ مجموعها فقط في عام 1969م نحو 25 عقداً.
تتلخص الملامح الرئيسية لعقود المشاركة في الإنتاج الأندونيسية فيما يلي:
‌أ. يبرم العقد بين كلٍٍ من الشركة الوطنية والشركة الأجنبية.
‌ب. مدة العقد 30 عاماً منها عشرة أعوام أو أكثر لفترة البحث والإستكشاف، مع وضع حد أدنى للنفقات خلالها.
‌ج. يوجد شرط للتنازل، كما قد توجد منحة للتعاقد أو الكشف التجاري أو الإنتاج.
‌د. تتولى الشركة الأجنبية تقديم كافة الأموال اللازمة للبحث والتنمية والإنتاج، كما تتولى تقديم الخبرة الفنية وتحضير وتنفيذ برامج العمل، بالإضافة إلى تحملها لمخاطر البحث، بمعنى أنها لا تسترد قيمة ما تم إنفاقه في حالة عدم العثور على النفط.
‌ه. تتولى الشركة الوطنية إدارة العمليات بينما تقوم الشركة الأجنبية بتنفيذها، كما تعتبر مسئولة أمام الشركة الوطنية عن هذا التنفيذ.
‌و. تسترد الشركة الأجنبية نفقات التشغيل بنسبة 40% من الإنتاج السنوي الإجمالي، ثم يوزع باقي الإنتاج بنسبة 65% للشركة الوطنية و 35% للشركة الأجنبية ولا تخضع حصتها في ذلك للضرائب أو أي قيود سوى حق الدولة في الشراء منها لأغراض الإستهلاك المحلي بمقدار 25% فقط من إجمالي حصتها وبسعر التكلفة الأصلي للبرميل مضافاً إليه 20 سنت أمريكي، كما تتحمل الشركة الوطنية عن الشركة الأجنبية دفع جميع الضرائب المستحقة عليها لحكومة أندونيسيا.
‌ز. إذا لم تأخذ الشركة الوطنية حصتها عيناً، تلتزم الشركة الأجنبية بتسويق هذه الحصة، بإستثناء نسبة مئوية تعادل نسبة ما أخذ من حصة الشركة الأجنبية لمواجهة الإستهلاك المحلي.
‌ح. السعر المستخدم لتقييم النفط الذي تحصل عليه الشركة الأجنبية سداداً لنفقات التشغيل هو المتوسط المرجح للأسعار المحققة من مبيعات كل من الشركة الوطنية والشركة الأجنبية خلال العام الذي ينتج فيه النفط ويباع. أما في حالة حصول الشركة الوطنية على عقد بيع مدته تتراوح بين عام أو أكثر بسعر بيع أعلى من السعر الذي حصلت عليه الشركة الأجنبية، فإنه يتم منح الشركة الأجنبية الخيار بين قبولها لتقييم النفط المأخوذ سداداً لنفقات التشغيل على أساس هذا السعر الأعلى، أو أن تقوم بتسليمه للشركة الوطنية في مقابل حصولها على قيمته نقداً.
2. عقود المشاركة في الإنتاج في مصر:
بدأت مصر بإبرام أول عقد من هذا النوع في عام 1970م بين الهيئة المصرية العامة للبترول وشركة نوسوديكو، ثم توالي بعد ذلك إبرام هذا النوع من العقود حتى وصل مجملها فقط في منتصف عام 1982م 70 عقداً. وتتلخص أهم أحكام عقود المشاركة في الإنتاج المصرية فيما يلي:
‌أ- تتحمل الشركة الأجنبية مخاطر البحث عن النفط، أي نفقات البحث إن لم تسفر مجهوداتها عن وجود النفط.
‌ب- مدة البحث في أغلب العقود تبلغ ثمانية أعوام وتتضمن فترة أساسية أو أولية تتراوح ما بين 2 – 4 أعوام في العادة، ولا يمكن للشركة الأجنبية خلالها التنازل أو عدم الوفاء بالتزاماتها، وضماناً لذلك يتم تقديم تأمين للدولة المضيفة يكون عادة في شكل خطاب ضمان مصرفي تتم مصادرته وصرف قيمته في حالة عدم الوفاء بالإلتزام.
‌ج- تلتزم الشركة الأجنبية بإنفاق مبالغ معينة خلال فترة البحث وذلك وفقاً لجدول زمني معين، كما يجوز لها أن تتنازل عن المساحة الممنوحة بكاملها في أي وقت بشرط أن تكون قد أوفت بإلتزاماتها في الإنفاق أو تدفع للحكومة نسبة معينة من ما لم يتم إنفاقه حتى تاريخ التنازل وتسمى هذه الحالة بحالة التنازل الإختياري.
‌د- يتضمن العقد شرطاً للتنازل الإجباري عن نسبة معينة من المساحة الممنوحة وفقاً لجدول زمني يحدده الإتفاق.
‌ه- في حالة العثور على النفط فإن فترة العقد تمتد ما بين 20 – 30 عاماً من تاريخ نفاذ العقد، ويتم تكوين شركة مشتركة لتنمية الحقول وإنتاج النفط وإقتسامه.
‌و- تقوم الشركة الأجنبية بإعداد وتنفيذ برامج العمل أثناء فترة البحث، كما تقوم الهيئة المصرية بمراجعة نفقات البحث والإعتراض على ما يستوجب الإعتراض لأسباب يحددها العقد.
‌ز- تلتزم الشركة الأجنبية بدفع جميع الأموال اللازمة لعمليات البحث والتنمية والإنتاج. وفي حالة العثور على النفط تسترد الشركة الأجنبية جميع النفقات الأولية المتكبدة وفقاً لمعدلات إستهلاك معينة تتراوح ما بين 30% – 40% من إجمالي النفط المنتج تبعاً لنص العقد، وفي حالة تجاوز هذه النسبة لقسط الإسترداد المستحق تؤول الزيادة إلى الهيئة المصرية للبترول مع حق الإختيار في أخذها نقداً أو عيناً كل ربع سنة.
‌ح- يتم توزيع باقي النفط المنتج بعد إستقطاع النسبة المخصصة لإسترداد النفقات، بحيث تحصل الهيئة المصرية على نسبة تتفاوت بحسب طبيعة العقود عموماً وللأهمية النفطية للمساحة المتعاقد عليها. وقد يبلغ نصيب الهيئة المصرية في بعض العقود نحو 80% بينما تحصل الشركة الأجنبية على 20% معفاة من جميع أنواع الضرائب التي تتحملها نيابة عنها الهيئة المصرية للبترول.
‌ط- تحصل الحكومة على الأتاوات والضرائب وصافي الربح ويبقي عبء سداد أتاوت وضرائب الشركة الأجنبية على عاتق الشريك الوطني “الهيئة المصرية”، وهو ما تم صياغته مبدئياً عند تحديد حصته في الإنتاج أن يتحمل هذه الأعباء.
‌ي- يجب أن يسمح النظام المحاسبي بتبويب المصروفات وفقاً لما تقضي به النظم المحاسبية السليمة عموماً، ومن ناحية أخرى يجب أن يسمح النظام المحاسبي أيضاً بتبويب المصروفات بحسب طبيعة إستردادها.
مما سبق نخلص: إلى أن عقود المشاركة في الإنتاج يمكن وصفها على أنها عمل بتوظيفاته المختلفة تتولى إدارته الشركة صاحبة الإمتياز منفردة بالمخاطر في حالة لم تسفر مجهوداتها بالعثور على النفط، أي تتحمل كافة النفقات المتكبدة في سبيل البحث والإستكشاف عن النفط. أما في حالة أسفرت مجهوداتها في العثور على النفط تسترد الشركة نفقاتها المتكبدة خلال مرحلة البحث والإستكشاف وذلك عن طريق إستقطاع نسبة معينة من الإنتاج يتفق عليها، أما بقية الإنتاج فيوزع بين شركة الإمتياز والشركة الممثلة للدولة المضيفة على حسب طبيعة المنطقة وأهميتها وشروط العقد المنصوص عليها. كما أن عملية الإشراف والرقابة المطلقة على تنفيذ أعمال هذا العقد حق مكفول للدولة مالكة النفط، مما يعنى أيضاً سيطرتها المطلقة على مورد النفط.
الجدير بالذكر أن صيغ عقودالمشاركه (قسمة) فى الإنتاج تلقى كثيراً من القبول والإستحسان من جانب الدول المنتجة للنفط في العقود الأخيرة والوقت المعاصر، ولذلك يكثر تطبيقها وإتباعها حالياً خاصة من قبل الدول العربية وعلى الأخص بدولة السودان.
ثالثاً: عقود المشاركة الأخرى بين الدول المضيفة وشركات الإمتياز:
هي صيغ تعاقدية أخرى من صور المشاركة بين الدول المضيفة وشركات الإمتياز ويتم تقسيمها بحسب طبيعتها إلى نوعين: عقود شركات المشاركة، وعقود الخدمات أو المقاولة. وفيما يلي سيتم مناقشة تلك العقود بإعتبار أن معرفة سماتهم تسهم أيضاً في تعزيز القدرة التفاوضية لدى الجانب الحكومي، بالإضافة إلى معرفة النصوص التي تشتمل عليها والبدائل التي توضح الإجراءات الإدارية والمحاسبية والفنية التي يمكن الإستفادة منها أيضاً في صياغة العقود النفطية المستقبلية.
(1) عقود شركات المشاركة:
تعتمد عقود المشاركة Joint Venture Contracts على وجود شركات وطنية للنفط وشركات أجنبية عملاقة لديها من الخبرات الفنية والإمكانيات المالية ما يؤهلها لمزاولة النشاط في صناعة النفط بمراحله المختلفة.
وبموجب هذا النوع من العقود يتم الإتفاق بين الشركات الأجنبية والشركات الوطنية على إقتسام النفقات والإيرادات (الأرباح الصافية) بينهما حسب نسب مئوية يتفق عليها بالتراضي لكل من الطرفين، بالإضافة إلى إقتسام الأعمال والمهام المطلوبة لأداء النشاط النفطي بينهما حسب ما يتفق عليه.
نظراً لمحدودية الإمكانيات المادية والبشرية للشركات الوطنية، فإن صيغ تعاقدات المشاركة دوماً ما تنص على تحمل الشركة الأجنبية للعبء المالي المرتبط بكافة أعمال مرحلة البحث والإستكشاف. وفي حالة أسفرت الجهود في العثور على النفط يتم إقتسام كافة النفقات السابقة بين الشركة الوطنية والشركة الأجنبية، بالإضافة إلى إقتسام ما ينتج عن بيعه من أرباح وذلك وفقاً للنسب المئوية المنصوص عليها في العقد. أما في حالة لم تسفر الجهود في العثور على النفط فتتحمل الشركة الأجنبية كافة النفقات الأولية المتكبدة. والجدير بالذكر أن إستخدام هذا النوع من العقود ساد بالبدء في مصر خلال عام 1963م وفي السعودية في عام 1967م وفي ليبيا عام 1969م، ثم توالي ظهوره لاحقاً في كل من الكويت والإمارات وقطر. وتختلف إتفاقيات شركات المشاركة فيما بينها بحسب الإستثناءات والحالات الخاصة التي تميز بعض الإتفاقيات عن غيرها. وقد أنشأت بعض الدول شركات وطنية بموجب قانون يمنحها الحق في عقد إتفاقيات مع الشركات الأجنبية على أساس نظام شركات المشاركة، وهو ما حدث في السعودية ممثلاً في المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين)، وكذلك في إيران والجزائر والعراق لاحقاً.

(2) عقود الخدمات (أو المقاولات):
تعتبر عقود الخدمات Services Contracts تطويراً لعقود إقتسام الإنتاج من حيث أحكام سيطرة ورقابة الدولة المضيفة على مورد النفط، نظراً لإحتفاظ الدولة المنتجة بسيادتها كاملة دون أن تخضع لأي تنازل في هذا النوع من العقود. كما تعمل الشركة الأجنبية كمقاول وتتحمل المخاطر وحدها وتتلقى أجراً نظير ذلك، لكنها لا تحصل عليه إلا في حالة تسويق الإنتاج. وأول عقد خدمة تم إبرامه على مستوى العالم كان في إيران بين شركة النفط الإيرانية (نيوك) وشركة (إيراب) الفرنسية في 12/ 12/ 1966م. وتتمثل السمات الأساسية لعقود الخدمات فيما يلي:
‌أ. تعمل الشركة الأجنبية مع الشركة الوطنية كمقاول لتنفيذ خدمات معينة مقابل أجر معين يتمثل في بيع كمية من النفط المنتج لها بسعر خاص، وبالتالي فإن أرباح الشركة الأجنبية أو أجرها هو مقابل ما تقدمه من خدمات فقط على سبيل تنفيذ المقاولة الموكلة إليها.
‌ب. تظل ملكية النفط للدولة المضيفة ولا تحصل الشركة الأجنبية على حصة مباشرة في إحتياطي النفط.
تتمثل الخدمات التي تقدمها الشركة الأجنبية فيما يلي:
(أ) خدمات تقنية:
حيث تتولى الشركة الأجنبية إدارة وتنفيذ عمليات التنقيب والتنمية وإستغلال النفط في مساحة الإستكشاف التي يحددها العقد بصفتها مقاول موكل إليه تنفيذ هذه الأعمال.
(ب) خدمات مالية:
يجب على الشركة الأجنبية بإعتبارها مقاولاً وبموجب عقد الخدمات التمويلية أن تلتزم بتوفير الأموال اللازمة لتمويل عمليات البحث والحفر والتطوير للآبار، وتعتبر الأموال المقدمة لأنشطة البحث والدراسات المبدئية والتعاقد قروضاً بدون فوائد لا يكون على الشركة الوطنية سدادها إلا في حالة العثور على النفط، أما الأموال المخصصة لعمليات التنمية وتطوير الآبار وإستغلالها تعتبر قروضاً واجبة السداد من قبل الشركة الوطنية مضافاً إليها معدلات فائدتها وفقاً لشروط العقد المحدده لذلك.
(ج) خدمات تجارية:
قد تتعهد الشركة الأجنبية بموجب عقد الخدمة بتسويق وبيع جزء من الإنتاج لصالح الشركة الوطنية في مقابل حصولها على عمولة بيع بمعدل يتم الإتفاق عليه في عقد الخدمة. كما قد يتم الإتفاق أيضاً في عقد الخدمة على إلتزام الشركة الوطنية ببيع جزء من الإنتاج للشركة الأجنبية بأسعار مخفضة، وتتصرف الشركة الوطنية بمتبقي الإنتاج بالطريقة والأسعار التي ترى أنها في صالحها. ويمثل الجزء من الإنتاج الذي تحصل عليه الشركة الأجنبية من الشركة الوطنية بأسعار مخفضة مبيعات ذات ضمان عالي. بالإضافة إلى ذلك قد يتم الإتفاق في عقد الخدمة على تخصيص جزء من الأحتياطي النفطي المتواجد في الحقل كإحتياطي وطني يخص الشركة الوطنية، أما الإحتياطي المتبقي فيتم التصرف فيه طبقاً لما ينص عليه عقد الخدمة.

بقلم د/ فياض حمزه رملي

الوسوم
إغلاق